25‏/06‏/2012

الإصلاح الثوري


يتباهي الإصلاحيون بمشاركتهم في الإنتخابات الرئاسية, بإعطائهم الشرعية لجلاديهم, بمُبايعة من شارك الجلاد إستبداده, وسط ترحيب ساذج, و شعور بزهوة الإنتصار علي الأله العسكرية العتيقة, و ثورة قلبت توازن السُلطات, و ثورة حقيقية من الصندوق علي من إبتدع الصندوق, كأن الدماء طيلة ال15 شهراً من بعد الثورة لم تكن كافية, فكما يُفكرون, الحل السياسي طويل الأمد هو من ينتصر, التخلص البطئ من السلطة العسكرية اّمن بالإصلاح و السياسة, الحل الثوري ليس هو المُنتصر دائماً, و لنستخدم الكُتلة الحرجة من الثوار كأداة مفعولٌ بها, و من التناقض و الإنتهازية أن نري أحداث الشهور الماضية من إستخدامهم الشارع و تحضيرهم للحظة الخلاص الثوري-إذا كانت لازمة- كما صدعونا دائماً, فهم و بشكل مُلاحظ لا يؤمنون أو لا يثقون بقدرة الشارع علي التأثير بفاعلية برد الفعل الشعبي التلقائي و أيضاً المُوجَه من الأقلية الناشطة المُتأرجحة, فأحداث السفارة الإسرائيلية و بياناتهم, و سفارة ال سعود و زيارتهم المُنكسة لكرامة شخصٍ مصري, خير دليل علي فكر غريب لهم, كإصلاحي و أحياناً شبه  ثوري – شذوذ بمعني أوضح-, و من الطريف أن هذه الشهور الطويلة من بعد الثورة تُحيي إلي حادثة الحزب الشيوعي في فرنسا, عندما فصل بين العمال و الطلاب, مع أن كان بإمكانه الإنتصار لو إستمروا علي هذا المنوال الثوري و تجنب الصفقات, أو دعنا نقول المنهج السياسي, فإني أؤمن بفاعلية الرد الشعبي التلقائي و قدرته علي كسر الحواجز و التغيير, علي شرط أن لا يكون في المشهد ما نراهم من سُذج و جُبناء من الكتلة الحرجة – النائمة في هذه اللحظات -.

يدخل الإخوان المُسلمون في ميزان السلطة الجديد, و لكن بالطبع بعد خلعهم من سُلطتهم السابقة, لحفظ التوازن لقوة الألة العسكرية و بقائهم في صينية المحشي, و لكن في العمق قليلاً و بعيداً عن المشهد, لتجنب الصدام المُباشر مع الشارع – أو تجنب الاّكل-, كما في الشهور الخوالي -ماسبيرو و محمد محمود الأولي كانوا الأبرز-, فالإخوان المسلمون و منذ الإنقلاب الأول يصارعون العسكر, كانوا يطمحون لعمل ثوري لكن لم يعطهم ناصر فرصة في ذلك بسبب تكابر نفوذه بالطبع شعبياً, و النتيجة كانت المجازر الجماعية لكوادر الإخوان الفذة حينها, فبذلك شُكل سيناريو 52 او 54 علي حد قول المحُللين المُهرتلين, الذي يصدعونا دائما به أصحاب العقول العظيمة القوية الجذابة الفتاكة, و خاصة في ذلك الإخوة الشباب الثوري, فهم يتوقعون حدوث هذا السيناريو كثيراً, لكن اّأسف و بتحفظ علي تطابق السيناريوهات و ما إلي أخره, أتفق أن علينا جميعاً ان نتعلم من دروس التاريخ, و لكن أيضاً علينا أن نأخذ في الإعتبار وضع و أشكال المُجتمع سياسياً و إجتماعياً, فما حققه عبدالناصر لطبقة كبيرة من الشعب لم يكن بشكل سئ كما يراه النُخب و المُثقفون, فالمصريين علي مدار تاريخهم يُقدمون لٌقمة العيش علي الحرية و الإستقلال, و هذا ليس طابع مصري فقط, بالشرقي أيضاً نراه كثيراً, فكان الإخوان المُسلمون ينظرون نظرة أُخري شاذة عن بقية المُجتمع علي طبيعة الحياة حينها, كما ينظر إليها أغلب الشباب الثوري في هذه الأوقات أيضاً, فالحالة مُتشابهة قليلاً و لو بفرق في درجات الوعي تقريباً, فبكل هذا و ذاك نري لماذا الإخوان لم يُكملوا المسيرة الحقيقة في الشارع, تجنبوا المُخاطرة بأنفسهم و كيانهم القوي مرة أخري, و أتبعوا شكل إصلاحي هذه المرة, فمن الممكن أن هم يطمحون إلي ما حدث لجنرالات تُركيا مؤخراً, و خلعهم من السلطة بشكل سياسي و سلس إلي حدا ما, فهذا أقل كُلفة للتغيير من غيره, و لكن أيضاً علينا أن نُراعي كل مجتمع و ظروفه داخلياً و خارجياً.

الصراع الدائر حالياً أكبر بكثير بكونه صراع بين كيان عسكري و كيان مدني ذي مرجعية دينية, فهو علي الأقل بالنسبة لي أوضح مثال علي صراع الأنظمة الإقتصادية مع بعضها, و التحكم فيها مِن مَن و لمن, فبشكل مبدئي يُسيطر العسكر علي الإقتصاد بشكل كبير يصل ل46% - كما يُقال من مصادر عديدة- من مشروعات علي أراضي الدولة و صناعات مدنية, مراكز ترفيهية عديدة, و كل ذلك يدخل عبائة الجنرالات الكبيرة دوناً عن باقي الشعب أو حتي إستخادامها في الصناعات العسكرية, فبديهي بعد ذلك أن يسعوا للإستمرار في السلطة, و إستمرار مصالحهم حتي علي الأقل و لو بعيدين عن المشهد, فلا تنسي سرطانات العسكر البيروقراطية في الدولة, التي تحتاج لقنبلة هيدروجينية للتخلص منها.
أما عن نهج الأخوان الإقتصادي, فلا أري فيه أي شئ جديد عن ما سمعته و شاهدته من نظام مبارك الإقتصادي, وضع حد أدني و أقصي للأجور, الدعم و الضرائب و حفظ التوازن و جلب الإستثمارات, إلي أخره من هذه أحاديث عقيمة بلا جدوي, لن أجني عليهم بتطابقهم مع نظام مبارك, لكنه علي الأقل فكر إصلاحي مُحافظ, يؤمن بقوة القطاع الخاص في تغيير النظام الإجتماعي, مع مرونة الدستور و القوانين لتسويق ما يروه مُناسب, و هذا يفتح مجالاً واسعاً للإحتكار و الإستبداد, إذا خملت القوة الشعبية عن التحرك في الشارع و في منظمات بعيدة عن الحكومة, فهذا الوضع الذي يؤمن به الإخوان مُتناقض مثل باقي أنظمة أوروبا التي دائماً تصب في يد رؤوس الأموال, و لكن هم حققوا نهضة بسبب تسخير موارد الشعوب من الشرق لصالحهم و إستعبادعم و إستبدادهم بالقوة, أما نحن حين يدخل علينا هذا النهج هو ظهور رؤوس الأموال الإحتكارية بطيئاً, و تحكمهم في سياسات الدولة, فإذا سقطت الجماعة من قواعدها ستبعده تماماً في هذه الاوقات بسبب قوة العسكر في الحياة البيروقراطية, و كل هذا لن يحدث إذا لم يتمكنوا تمكيناً كامل أو شبه كامل من الدولة.

قوة المجلس العسكري ليس خارقة, و ليست مُضادة للرصاص, و أيضاً يُمكن إسقاطها بنهج سياسي أو ثوري مع إختلاق عُمق التغيير في المُجتمع بين المنهجين, فالتخلص الكامل من الكيان العسكري بشكل سياسي يأخذ كثيراً من إرادة الشعوب و الطبقات الكادحة, فهو يُنخب الساسة و يجعل المواطن بلا عقل و موجه بلا أدني مقاومة له, يُسخر أحلام الأفراد لكيانات تتصارع علي السلطة, لكيانات خيرة و شريرة و كُلٍ علي حسب درجة التوغل في العقلية الشعبية من جانب السلطتين أو مُريدين السلطة أو حتي السلطويين, فإذا أنتصر أحدهما علي الأخر يتحول لمُستبد فاشي جديد, و يبداً صراع جديد في السلطة و يبقي الضحية هو الشعب.
 فمن يقف أمام هذا الوضع بشكل قطعي هو اليسار, فعقلية اليسار تؤمن بقدرة الأفراد علي التغيير, و تحويل الشعوب لمُحركيين زمام السياسة و السلطة بمقاوتهم, و إيمانهم بالتغيير الإجتماعي أفضل و أقوي و أكثر راديكالية من تغيير سياسي لن يُغيير كثيراً في حياة الشعب, فالسلطويين مثل الرأسماليين كلاهما جشع لا حد لإنتصارهم, يطمحون دائماً لمزيد من التفرد بالسلطة, فكمجتمع نسبة الوعي و الحراك الإجتماعي فيه ليست بكبيرة, لن ينهض به أي قوة سياسية, فأُذكركم و أُذكر نفسي بالأية الكريمة " إن الله لا يُغير بما في قوم حتي يُغيروا ما بأنفسهم" فالتغيير الإجتماعي هو الأساس, التغيير السياسي لن يُغير شيئاً سوي إزدياد بئس الشعب و رغبته في رفض السلطة, و هذا لا يعني عدم إستخدام تراكمات الساسة ضدهم و لو علي الأقل من كُتلة حرجة ناشطة حتي لو كانت مُتناهية الصغر, فالعمل في نطاق الثورية ليس بجالب للحياة بالنسبة للطبقة المتوسطة, فهم بشكل عاطفي قليلاً, تُحركهم مبادئهم و ضمائرهم, و حلمهم علي تغيير المُجتمع إلي الأفضل, بدون سلطة و أموال و جاه و مناصب, هم بالنسبة لي الأمل الذي أتمني أنا أراه كل يوم في حياتي, فلا فعاليات و مكاسب واهية من المُستبدين تغريهم, و لا سلطة تستطيع قمع أفكارهم, و أيضاً      هم يفكرون دائماً بنظرة بعيدة إلي حد كبير, فتنظير الفكر و الإيمان به أكبر نقطة خلاف بينهم و بين الإصلاحيين, فيقولون عن التنظير " فسفطة فارغة, الأن وقت العمل بدون تنظير" مثل هذه أحاديث, تُعبد تماماً قوة الفكر و التغيير الأجتماعي, التغيير من القاعدة.
التغيير الإجتماعي جزء كبير من مراحلة هو ما يحدث من صراع بين كيانات سلطوية الأن, لأن الشعب لم يُجرب تجربة ديمقراطية حرة طوال السبع ألاف سنة, حتي هذه التجربة أستثنيها من القاعدة, فالديمقراطية ليست مُجرد صندوق و إحترام ننتيجته, فنحن نختصر الديمقراطية في الصندوق كما نختصر الإسلام في الحدود, فقلقي هو رفض الشعب للديمقراطية علي هذا الشكل, مع علمي بأنها موضوعاً يجب أن يتم إحلالها بنظام جديد, لكن متخوف من قفز التجربة و نرفضها قبل أن نُجربها, فبشكل صريح, المُجتمع ليس مُهئ لنوع جديد مثل الديمقراطية المباشرة, لكن مُهيئ أن يحكمه ديكتاتور و فاشي أخر, فإني أري الصراع السلطوي الأن مٌفيد في بعد النقاط, فتكاثر التجارب و الخبرات هو الإنتصار الأكبر في المرحلة, صحيح أن الصراع طويل الأمد لكن الصراع في هذه الأوقات يتمحور في رفض المُستبدين و إستبدادهم.