25‏/01‏/2012

الثورة في مواجهة التيار


تواجه الثورة مُنحنيات كثيرة و إنحدارات تصب في مصلحة من ناهضوها من البداية, حتي هذه الحظات التي نعيشها في عشية مظاهرات لتوطيد إرادة الشرعية الثورية في النظام الفاشي الذي يحكُمنا الأن, و هذا إن دل يدلُ علي أن الثورة تحتاج المزيد منا للتضحية من أجلها, فلا يوجد فرق بين النظام القمعي - ذي القبضة الحديدة برئاسة مبارك و توجيهاته من البرجوازين مٌحنكري أقوات هذه الامة لصالحها وحدها, فمبارك ليس شخصاً, إنما فكرة تترسخ يوماً بعد يوم في عقول معدومي الضمائر و أصحاب الفكر الأولجركي المتسلطين علي السلطة و نفوذها و الأموال و مطامعها - و ما بين نِظامٍ فاشي, مشوه الأفكار, جاذب للمستبدين, ملاذاً أمناً لقاهري الشعب و يعدُ إستمراراً لنهج مبارك و أمثاله.

سقط مُبارك و ظهر 80 مليون مبارك أخر, مُتغلل في عقول المصريين, ترعرع علي بيئة مُستبدة قمعية, تعمل علي بسط نفوذها و قوتها علي كافة أقطاب المُجتمع, عاشت دهراها في مرارة الفقر و ظُلمات الجهل, تكميم الأفواه, و غرز الشعب في عُنق زُجاجة ما بين المؤامرات الخارجية و وهم الوطنية و الحفاظ علي الوطن -الذي لا يُمكن إسقاطه ما كان الدهر ينبض- 
يعدُ إسفتاء مارس أكبر و أوطد دليلِ علي الإلتفاف علي الثورة, أنُتهكت حُرمة الأفكار و الرؤي, و دخلنا في حيز التقاتل من إجل تطبيق فكرة الأخر, و كان أكبر المستفيدين هم العسكر, بعاطفيتنا الساذجة التي لم نتعلم منها حتي الان, فقد تم تعرية النظام حين سقط دستور 71 المُعدل ليصبح دستور لـ آل مُبارك بقرار من المجلس الاعلي للقوات المٌسلحة الذي خدعنا بهذه الخطوة و أثار الشعب علي حبه و تخاذله حين ستر هذا الدستور مرة أُخري بعد الإسفتاء المشوه المتذمد لصالح أفكار أُناس معينة, و لا أقصد بالذكر أي طرف سياسي شارك في مناهضة النظام القمعي البائد, بل أخص نظام آل مبارك الذي أعاد تأهيله و تربيته من جديد في ظل هذا النظام الفاشي الان,  فبقاء الوضع الراهن من المُسلمات, فلا يوجد أحد يستطيع تحمل مسئولية مواجهة إرادة شعب بأكمله يريد العيش بكرامة يدون ظلم ولا إستبداد و بحرية, فلا يوجد أبسط من هذه المطالب التي تُعد أقل ما تُقدمه الحكومة لمواطنيها.
عِشنا سنة في صراعات مع الأجيال المُتميز بالركود الفكري المُتراكم منذ بداية تطور الغرب و تغييب الشرق عن الواقع, تحملنا المصاعب و الإتهامات و التشويه لأجل لغدٍ أفضل, أُسيل الدماء لأجل فكرة .. لأجل هدف يٌناهضه المُستبدون, لا أحد يتحمل الوقوف أمام الثورة أياً كان, حتي لو أجتمعت أسلحة العالم كلها, و سوريا أكبر دليل, فإذا ثار الشعب حُسمت النتيجة النهائية, من الممكن أن يخسر جوالات عديدة, و ينكسرو حينها, لكن سنه الحياة التغيير, بقياء الحال من المُحال.
يقول “وودور ولسون ” (إذا جئتني و قبضتك منكمشة أعدك ان قبضتي ستكون اشد انكماشا من قبضتك . وإذا جئتني تقول : دعنا نجلس و نتحادث وان اختلفت أرائنا لنتفهم أسباب الخلاف عند ئذ نكتشف أننا لا نختلف كثيرا وان النقاط التي نتفق عليها كثير وان كان لدينا الصبر والأناة والنية على الاتفاق سنتفق). هذه الكلمات من وودر ودسون تُعبر عما بداخلي من رؤية قد تصب و قد تفشل, فيقول المنطق أن الأنظمة الفاشية و المُستبدة لا يُمكنك تغييرها جذرياً بمجرد هتافات أو حتي العتصامات فئوية, - فصحيح أن الثورة ثنبع من قلب الإعتصامات و التظاهرات بين عُمال المصانع و موظفي الدولة و القطاع الخاص, فالعمال هم قوة النظام ضعفهم, قوتهم عندما يعملوا معهم, بقوتهم الفكرية و الجسدية, و ضعفهم عندما يتمادوا في إكتساحهم لحقوقهم البسيطة, فالعامل الذي يأخذ 10 جنيهات يومياً يُنتج إنتاجاً بـ 300 جنيهات, و هنا تأتي الشرارة و جشع الرأس مالية و الكولونولية متعددة الجنسيات التي تستعمرنا إقتصادياً, و تُسلع جميع الخدمات الحكومية التي تخدم الشعب, فالكولونية حولت من خدمات التضامن الإجتماعي لمحدودي الدخل إلي خدمات علي العرض و الطلب-, فيمكن تغيير الأنظمة بما يُخيفهم, بكل بساطة و وضوح, إذا لم يتلق الحراك السياسي الشبابي تأييداً من الشعب فلن يرتقي تحركه إلي مستوي الثورة, بل ستبقي مظاهرات تُعبر عن رأي فصيل من الشعب, و تنطلق من هنا بؤرة العنف و التعامل الأمني و الترهيبي, فكل هذه المواقف تعمل علي بناء جدار فولاذي بين النظام و المحكومين, يُمكن تصنيفها إلي شيئين, حراكيُرد بالعنف, أو حراك يُرد بالهتاف, فالهتافات إذا دخلت إلي قلوب المُستمعين و المشاهدين وطدت رؤيتها و فكرتها ضدد النظام, مما يُفسح الطريق أمام الإلتحام معها, فتؤتي ثمارها فقط عندما تتركز إلي عصيان مدني مركزي, يعمل علي تدمير غاياتهم الإقتصادية, التي هي مصدر قوتهم في نهب الحقوق و جرد أقوات الشعب, مما يقف للنظام نداً بند أمامهم بطريقة سلمية نوعاً ما, ساذجة كثيراً, لكن ذي فاعلية قوية علي مرور الوقت, و يتمثل الجانب الأخر بالرد علي كافة الأعمال السلطوية التي تتهكم عليهم, و هذا يعدوا قانوناً في الحياة, العنف بالعنف و الرصاص بالرصاص, لكن في بلد مثل مصر, أكثر من ربع الشعب مُغيب تماماً عن الواقع, يهتف مع من يعطيه  مآكله ليومٌ واحد, بينما يغض الطرف عن أهداف الثورة أو الحراك الذي يقف نداً له.
سأُنهي حديثي بكلمات قليلة.
معركتنا ليست مع العسكر, معركتنا مع من يناهضون الثورة, فإذا سقط العسطر ظهر مناهضون غيرهم للحراك, معركتنا مع القتلة و الفسدة و الكـــاذبون.